بعد تطليقه فريدة، انجرف الملك فاروق بقوة مع تيار الهوى، غير عابيء بدين أو تقاليد، يقوده الإيمان بأن حياته الشخصية هي ملك له وحده، وبالتالي عاشها طولاً وعرضاً. ففي حديث له مع أحد المسؤولين البريطانيين ذكر له أن تنبؤاته دلت على أنه سيموت صغيراً، وأن ذلك يدفعه إلى التمتع، ما أمكنه ذلك ولم يغب العنصر النسائي عن فاروق في رحلاته داخل مصر وخارجها
والصحيح أن بعض من عرفهن من النساء لمسن نقطة ضعفه، ومن ثم تمكنّ من معالجته نفسياً، بمعنى أنهن نقلن إليه المشاعر الناطقة بأنه يتمتع بكامل لياقته المطلوبة، أيضاً أدرك بعضهن صفات الملل الذي يعتريه، وتحوله السريع وتخليه عن الآخر، وقوة نزعة التقلب عنده في حالة استسلامهن له. ومن هنا أهملنه، فكان أكثر اندفاعاً نحوهن. وهذه الصفات انعكست على عطائه لهن، فهو أحياناً يكاد يوصف بالبخل عليهن، وفي أحيانٍ أخرى يكون مسرفاً ومبذراً ويقدم الهدايا الثمينة للمرأة التي يجذبها إليه
ولم يشر المسلسل التليفزيوني "الملك فاروق" بشكل كافٍ إلى اهتمام الملك بالنبيلة فاطمة طوسون (19 أبريل نيسان 1923- 14 مارس آذار 1990)، وكان فاروق يتودد لها بالهدايا الكثيرة أثناء حياة زوجها، وتتحدث بعض المراجع والوثائق الأجنبية عن أنه كان على علاقةٍ كاملة معها، وتوسعت تلك المراجع فيما هو أكثر من ذلك
وقد تصور فاروق أن الطريق إليها الآن مفتوح، وأنها لن تفكر في معارضة أن تكون ملكة مصر، بعد وفاة زوجها النبيل حسن طوسون – نجل الأمير عمر طوسون- في حادث سيارة وقع في فرنسا في 15 نوفمبر تشرين ثانٍ عام 1946
ولكن كانت الصدمة عندما رفضت فاطمة طوسون الزواج من الملك فاروق، إذ حدث أن تلك الجميلة التي عاشت لفترةٍ في باريس بعد أن أصبحت أرملة وقعت في حب الأمير "دوم" خواو ماريا دي أورلينز اي براغانزا (15 أكتوبر تشرين أول 1916- 26 يونيو حزيران 2005) وهو ينتمي إلى أسرة براغانزا التي حكمت البرتغال من 1640 إلى 1910
ثم حكمت إمبراطورية البرازيل من 1822 إلى 1889
وكان لدى فاطمة وهذا الأمير مشروع زواج توقف في منتصف الطريق، لأن النبيلة أصرت على إشهار إسلامه شرطاً لإتمام الزواج، ومن جانبه فقد وجد خواو صعباً عليه التخلي عن مسيحيته، لئلا تكون من ذلك مشكلة لأسرته
وتكتب السفارة البريطانية في القاهرة (484/7/553) و(1303/141) تقارير إضافية:
"لقد ظهر أن التقارير التي وصلتنا عن زواج النبيلة فاطمة طوسون من كونت برتغالي سابقة لأوانها، لأن النبيلة ترددت في النهاية بسبب عدم رغبة خطيبها في تغيير دينه من ناحية، ومن ناحية أخرى لأنها تخشى إذا تزوجت من غير مسلم أن تفقد حقوقها، وفيها اللقب الملكي"
لكن الملك فاروق كان أسرع من توقعات السفارة البريطانية، وكان مذهلاً أن الملك فاروق ركز اهتمامه ذلك الشهر الحاسم في التاريخ المصري وهو ديسمبر كانون أول عام 1948 على ترتيب زواجه من النبيلة فاطمة طوسون – ابنة حسين إسماعيل شيرين بك وعائشة مسلَّم- إلا أن أحكام القدر كانت أقوى من رغبات الملوك
والذي حدث أن الملك أوفد ممثلاً خاصاً له إلى باريس هو فؤاد شيرين (باشا)، محافظ القاهرة وقتها، والهدف الظاهر من رحلته تمثيل مصر في المؤتمر العالمى للبلديات، لكن المهمة الحقيقية وراء الظاهر أن يتفاهم مع النبيلة فاطمة طوسون على موضوع زواجها المحتمل من فاروق. وكانت ميزة فؤاد شيرين (باشا) أنه عميد أسرة يربطها نسب مع فاطمة طوسون
وسافر فؤاد شيرين (باشا) إلى باريس، وقابل النبيلة فاطمة طوسون وفاتحها في موضوع عودتها لتصبح الملكة الجديدة لمصر. وكانت المفاجأة أنها اعتذرت لأن "المشكلة التي كانت تعطل زواجها من الكونت البرتغالي أمكن حلها، وأنهما سوف يتزوجان في ظرف أسابيع قليلة". وهكذا فشلت مهمة مبعوث الملك في باريس، وكانت الصدمة ثقيلة الوقع على ملك مصر، الذي حاصرته الهموم العامة والخاصة
وقد تم الزواج في 29 أبريل نيسان عام 1949 واستمر حتى عام 1970، لكن فاطمة طوسون آثرت بعد الطلاق البقاء في البرازيل حتى توفيت في ريو دي جانيرو
وتقول بعض المصادر إن فاروق استشاط غضباً بسبب هذه الزيجة وهدد فاطمة طوسون بالحجر على ممتلكاتها في مصر؛ بل وأوفد حتى إلى حكومة البرازيل طالباً استرجاعها، واعتذرت له البرازيل بأنها لم توقع مع مصر اتفاقية تبادلٍ للعشاق
بعدها تزوج فاروق للمرة الثانية
قصصٌ كثيرة وروايات نُسِجَت عن ظروف وملابسات ارتباط الملك فاروق ملك مصر السابق بالفتاة الجميلة ناريمان. لم تتفق الروايات جميعها على التفاصيل، حيث حفلت كل قصة بسيناريو مختلف، لكن هذه الروايات اتفقت على أن اللقاء الأول بين الملك وناريمان كان في محل أحمد باشا نجيب الجواهرجي في شارع الملكة فريدة المعروف الآن باسم شارع عبد الخالق ثروت
ويقدم لنا المسلسل التليفزيوني اللقاء الأول بين فاروق وناريمان على أنه جاء في حضور والدها حسين فهمي صادق وكيل وزارة المواصلات. إلا أن مراجع وشهادات محل ثقة - بينها كتاب د. لطيفة سالم، إضافة إلى شهادة يوسف نجيب ابن شقيق أحمد نجيب الجواهرجي- تؤكد أن اللقاء حدث حين دخلت ناريمان المحل مع خطيبها الدكتور زكي هاشم لشراء خاتم الزواج، فأعجب بها فاروق الذي كان موجوداً هناك، وقرر الاستحواذ عليها وفقاً لصفاته المعهودة في الاستيلاء على ممتلكات الغير، بالإضافة إلى أنه كرر فعلة أبيه عندما تزوج من نازلي
ولفهم شخصية ناريمان (31 أكتوبر تشرين أول 1933- 16 فبراير شباط 2005) علينا أن نرصد تفاصيل صغيرة، منها أن تلك الفتاة كانت تبلغ من الطول خمسة أقدام وكانت تنجذب إلى الأشياء المضادة..ويبدو أن أكبر مشكلة كانت تواجهها مع الرجل الذي وعدها أبوها به أنه لم يكن ضخم الحجم بما فيه الكفاية، فكانت دائماً تشير إليه على أنه زكي هاشم الصغير، ولم تكن مهتمة بمؤهلاته العلمية من جامعة هارفارد مثلما كانت متأثرة بأنه نحيل وضئيل الجسم لأنه كان أطول منها بمقدار بسيط
وفي يوم زيارة الملك لمنزلها ذهبت مع والدتها أصيلة هانم -ابنة كامل محمود، من أعيان محافظة المنيا- إلى حلواني "جروبي" لشراء تشكيلةٍ غالية من الحلويات وقامتا بتزيين المنزل بالنباتات والزهور، واشترت فستاناً جديداً. وكان موعد الملك في الثالثة لكنه لم يحضر قبل العاشرة، حيث وقفت سيارة "كاديلاك" حمراء أمام المنزل، وكان فاروق يرتدي بدلة سهرةٍ سوداء، وطلب من ناريمان إعداد فنجان من القهوة، ومكث في المنزل 20 دقيقة فقط. وبعد أن غادر، أخذت ناريمان السيجار الهافانا الذي أطفأه في منفضة السجائر كتذكارٍ لتريه لصديقاتها في مدرسة الأميرة فريال الثانوية، إلا أن والدها نهرها ومنعها من ذلك
وفي 11 فبراير شباط عام 1951 احتفل فاروق رسمياً بخطوبته من ناريمان بعد أن عادت من الخارج، وفي 6 مايو أيار عقد القران، وبلغت تكاليف الزفاف 483,73 جنيه، وهو مبلغٌ كبير بمقياس الفترة الزمنية. ووضعت العروس في جيدها عقداً ماسياً، عُدًّ من أندر حلى العالم، مما أثار الأقوال والانتقادات، ولم يترجم أي شعور عام للفرحة التى ملأت قلوب الناس عند زواجه الأول
وتنقل الملك والملكة في أوروبا، ولم يغير فاروق من عاداته أثناء الرحلات، وشنت الصحافة الأجنبية حملاتها عليه، وحدثت الأزمات مع الصحفيين. ولم تكن الملكة الشابة - التي انفصلت عن فاروق في 2 فبراير شباط عام 1954- تصاحبه دائماً في أماكن لهوه التي اعتاد التردد عليها ليمارس هواياته المعهودة، ومنها لعب القمار، وقد خسر في ليلةٍ واحدة مئة ألف جنيه استرليني كما كتبت الصحف الإنجليزية فى ذلك الوقت
ولما كانت عقدة عجزه فيما يتعلق بالسيطرة على فريدة تلاحقه لتعاليها وكبريائها، فقد أحكمها على الزوجة الثانية، التي تقبلت الأوضاع على ما هي عليه، إذ لم تكن تتمتع بقوة الشخصية، بالإضافة إلى رغبتها في أن تظل ملكة على عرش مصر. وارتفعت تكاليف رحلة شهر العسل بشكل أثار الانتباه، ويبعث السفير البريطاني في روما إلى حكومته ليصف البذخ والترف في تلك الرحلة الملكية، ويسجل أن ناريمان أنفقت عشرين ألف جنيه في نصف يومٍ في فينيسيا. وفي 15 سبتمبر أيلول عاد الملك والملكة إلى مصر